فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}
لا يحتاج فِعْله إلى مُدّةٍ، وكيف ذلك ومن جملة أفعاله الزمان والمدة؟ فَخَلَقَ السموات والأرضَ في ستة أيام، وتلك الأيام أيضاً من جملة ما خَلَق الله سبحانه وتعالى.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي تَوَحَّدَ بجلال الكبرياء بوصف الملكوت. وملوكنا إذا أرادوا التجلّي والظهورَ للحَشَم والرعية برزوا لهم على سرير مُلْكِهم في ألوان مشاهدهم. فأخبر الحقُّ- سبحانَه- بما يَقْرُب من فَهْم الخلْقِ ما ألقى إليهم من هذه الجملة: استوى على العرش، ومعناه اتصافه بعز الصمدية وجلال الأحدية، وانفراده بنعت الجبروت وعلاء الربوبية، تقدَّس الجبَّارُ عن الأقطار، والمعبودُ عن الحدود.
{يُدّبّرُ الأَمْرَ}: أي الحادثاتُ صادرةٌ عن تقديره، وحاصلةٌ بتدبيره، فلا شريكَ يعضده، وما قضى فلا أحد يردُّه. {مَا مِن شَفِيعٍ إلاَّ مِنْ بَعدِ إذْنِهِ}: هو الذي يُنْطِقُ مَنْ يخاطبه، وهو الذي يخلق ما يشاء على من يشاء إذا التمس يُطالِبهُ.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}: تعريف وقوله: {فَاعْبُدُوهُ}: تكليف؛ فحصولُ التعريف بتحقيقه، والوصولُ إلى ما وَرَدَ به التكليف بتوفيقه.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
الرجوع يقتضي ابتداء الأرواح قبل حصولها في الأشباح، فإن لها في مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند مُحبِّيه وذويه، كما قيل:
أيا قداماً من سَفْرةِ الهجر مرحباً ** أناديك لا أنساك ما هبَّت الصِّبا

ويقال المطيع إذا رجع إلى الله فله الزُّلفى، والثواب والحسنى، والعاصي إذا رجع إلى ربِّه فَبَنَعْتِ الإفلاس وخسران الطريق؛ فيتلقى لِباس الغفران، وحُلَةَ الصفح والأمان، فرحمةُ مولاه خيرٌ له من نُسْكِه وتقواه.
قوله: {وَعْدَ اللَّهِِ حَقَاً}: موعودُ المطيع الفرادِيسُ العَلَى، وموعودُ العاصي الرحمة والرِّضى. والجنَّةُ لُطْفُ الحقِّ والرَّحمةُ وصفُ الحق؛ فاللُّطفُ فِعْلٌ لم يكن ثم حصل، والنَّعْتُ لم يزل.
قوله: {إنَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}: مَنْ كان له في جميع عمره نَفَسٌ على وصفِ ما ابتدأَ الحقُّ سبحانه به ففي الإشارة: تكون لذلك إعادة، وأنشدوا:
كلُّ نَهْرٍ فيه ماءٌ قد جَرَى ** فإِليه الماءُ يوماً سيعودُ

.تفسير الآية رقم (5):

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
أنوار العقول نجومٌ وهي للشياطين رجوم، وللعلوم أقمار وهي أنوار واستبصار، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع، كما قيل:
إنَّ شمسَ النهار تغْرُبُ بالليل ** وشمسُ القلوب ليست تَغِيبُ

وكما أَنّ في السماء كوكبين شمساً وقمراً؛ الشمسُ أبداً بضيائها، والقمرُ في الزيادة والنقصان؛ يُسْتَرُ بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدراً بنعت إشراقه، ثم يأخذ في النقص إلا أَنْ لا يبقى شيءٌ منه لتمام امتحاقه، ثم يعود جديداً، وكل ليلة يجد مزيداً، فإذا صار بدراً تماماً، لم يَجِدْ أكثر من ليلةٍ لكَمَالِه مقاماً، ثم يأخذ في النقصان إلى أن يَخْفَى شَخْصُه ويتِمَّ نَقْصُه.
كذلك مِنَ النَّاسِ مَنْ هو مُتَرَدِّدٌ بين قَبْضِه ويَسْطِه، وصَحْوِه ومَحْوِه، وذهابه وإيابه؛ لا فَنَاءَ فيستريح، ولا بقاءَ له دوامٌ صحيحٌ، وقيل:
كلَّما قُلْتُ قد دنا حَلُّ قيدي ** كَبَّلوني فأوثقوا المِسْمَارا

.تفسير الآية رقم (6):

{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}
اخْتُصَّ النهارُ بضيائه، وانفرد الليلُ بظلماته، من غير استيجاب لذلك، ومن غير استحقاق عقاب لهذا، وفي هذا دليلٌ على أَنَّ الردَّ والقبولَ، والمَنْعَ والوصولَ، ليست معلولةً ولا حاصلةً بأمرِ مُكْتَسبٍ؛ كلاَّ إنها إرادةٌ ومَشِيئَةٌ، وحُكْمٌ وقضية.
النهارُ وقتُ حضور أهلِ الغفلة في أوطان كَسْبِهم، ووقتُ أربابِ القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربِّهم، قال قائلهم:
هو الشمس إلا أنَّ للشمس غَيبةً ** وهذا الذي نعنيه ليس يغيبُ

والليلُ لأحدِ شخصين: أمَّا للمُحِبِّ فَوقْتُ النَّجوى، وأَمّا للعاصي فَبَثُّ الشكوى.

.تفسير الآيات (7- 8):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)}
أنكروا جواز الروّية فَلَمْ يرجوها، والمؤمِنون آمنوا بِجَوَازِ الرؤية فأملوها.
ويقال: لا يرجون لقاءَه لأنهم لم يشتاقوا إليه، ولم يشتاقوا إليه لأنهم لم يُحبُّوه لأنهم لم يعرفوه، ولم يعرفوه لأنهم لم يطلبوه لأنه أراد ألاَّ يطلبوه، قال تعالى: {وَأَنَّ إلَى رَبِّكَ المُنْتَهَى} [النجم: 42].
ويقال لو أراد أن يطلبوه لطلبوه، ولو طلبوا لعرفوا، ولو عرفوا لأحبُّوا، ولو أحبُّوا لاشتاقوا، ولو اشتاقوا لرجوا، ولو رجعوا لأمَّلوا لقاءَه، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لأَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُداهَا} [السجدة: 31].
قوله تعالى: {وَرَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيَا وَاطمَأَنُّوا بِهَا}: أصحابُ الدنيا رضوا بالحياة الدنيا فَحُرِمُوا الجنةَ، والزُّهَّادُ والعُبَّاد رَكَنُوا إلى الجنة ورضوا بها فبقوا عن الوصلة، وقد عَلِمَ كلُّ أناسٍ معشْرَبهم، ولكلُّ أحدٍ مقامٌ.
ويقال إذا كانوا لا يرجون لقاءَه فمأواهم العذابُ والفرقة، فدليلُ الخطاب أن الذي يرجو لقاءَه رآه، ومآلُه ومنتهاه الوصلةُ واللقاء الزُّلْفة.

.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
كما هداهم اليومَ إلى معرفته من غير ذريعة يهديهم غداً إلى جنته ومثوبته من غير نصيرٍ من المخلوقين ولا وسيلة.
ويقال أَمَّا المطيعون فنورهم يسعى بن أيديهم وهم على مراكب طاعاتهم، والملائكةُ تتلقَّاهم والحقُّ، قال تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم: 85] نحشرهم، والعاصون يَبْقَوْن منفردين متفرقين، لا يقف لهم العابدون، ويتطوحون في مطاحات القيامة.
والحقُّ- سبحانه- يقول لهم: عِبَادي، إنَّ أصحابَ الجنة- اليومَ- في شُغلٍ عنكم، إنهم في الثواب لا يتفرَّغون إليكم، وأصحابُ النار من شدة العذابِ لا يرقبون لكم معاشِِرَ المساكين.
كيف أنتم إنْ كان أشكالكم وأصحابكم سبقوكم وواحدٌ متهم لا يهديكم فأنا أهديكم. لأني إنْ عاملتكم بما تستوجبون..... فأين الكرمُ بحقنا إذا كنا في الجفاء مِثلهم وهجرناكم كما هجروكم؟

.تفسير الآية رقم (10):

{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قالتُهم الثناءُ على الله، وذلك في حال لقائهم. وتحيتهم في تلك الحالة من الله: {سلام عليكم} {وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}: والحمد هاهنا بمعنى المدح والثناء، فيثنون عليه ويحمدونه بحمدِ أبديٍّ سرمديٍّ، والحقُّ- سبحانه- يُحَييِّهم بسلامٍ أزليٍّ وكلام أبدي، وهو عزيزٌ صمديٍّ ومجيدٌ أحديٍّ.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
أي لو أَجبناهم إذا دعوا على أنفسهم عند غيظهم وضَجَرِهم لعَجلَّنا إهلاَكهم، ولكن تَحَمَّلْنَا ألا نُجِيبَهم، وبرحمتنا عليهم لا نسمع منهم دعاءَهم، وربما يشكو العبدُ بأنّ الربَّ لا يجيب دُعاءه، ولو عَلِمَ أنه تَرَكَ إجابَتَهُ لُطْفاً منه وأَنَّ في ذلك بلاءً لو أجابه، كما قيل:
أُنَاسً أعرضوا عنَّا ** بلا جُرْمٍ ولا معنى

أساءوا ظنَّهم فينا ** فهلاَّ أحسنوا الظنَّا

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
إذا امتُحِنَ العبدُ وأصابه الضُّرُّ أزعجته الحالُ إلى أَنْ يرومَ التخلُّصَ مما ناله، فيعلمَ أنَّ غيْر الله لا يُنْجِيه، فتحمله الضرورةَ على صِدْق الالتجاءِ إلى الله، فإذا كَشَفَ اللَّهُ عنه ما يدعو لأَجْلِهِ شَغَلَتْه راحةُ الخلاصِ عن تلك الحالة، وزَايَلَه ذلك الالتياع، وصار كأنه لم يكن في بلاءِ قط:
كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى ** ولم يكً صُعلوكاً إذا ما تَموَّلاَّ

ويقال بلاءُ يُلْجِئُك إلى الانتصاب بين يَدَيْ معبودِك أجدى من عطاءٍ ينْسِيك ويكفيك عنه.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
أخبر الحقُّ سبحانه بإهلاك الظالمين، كما في الخبر: «لو كان الظلم بيتاً في الجنَّة لسلّط اللَّهُ عليه الخراب». والظلمُ وَضْعُ الشيء في غير موضعه، فإذا وَضَعَ العبدُ قَصْدَه- عند حوائجه- في المخلوقين، وتعلَّق قلبُه بهم في الاستعانة، وطََلَبَ المأمول فقد وَضَعَ الشيءَ في غير موضعه، وهو ظلم؛ فعقوبة هذا الظلم خرابُ القلب، وهو انسداد طريق رجوع ذلك القلب إلى الله؛ لأنه لو رجع إلى الله لأعانه وكفاه، ولكنه يُصِرُّ على تعليق قلبه بالمخلوق فيبقى عن الله، ولا ترتفع حاجتُه من غيره، وكان من فقره وحاجته في مَضَرَّةِ. فإنْ صار إلى مضرة المذلة والحاجة إلى اللئيم فتلك محنةٌ عظيمةٌ.
وعلى هذا القياس إذا أحبَّ مخلوقاً فقد وَضَعَ محبته في غير موضعها، وهذا ظلم، وعقوبته خراب روحه لعدم صفاء ودّه ومحبته لله، وذهاب ما كان يجده من الأنُس بالله، إذا بقي عن الله يُذيقه الحَقُّ طعمَ المخلوقين، فلا له مع الخْلقِ سَلْوة، ولا من الحق إلا الجفوة، وعدم الصفوة.

.تفسير الآية رقم (14):

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
عرَّفناكم بِسِرِّ مَنْ قَبْلَكُم، وما أصابهم بسب ذنوبهم، فإذا اعتبرتم بهم نَجْوتُم، ومن لم يعتبرْ بما سمعه اعتبر به من تبعه.
ويقال أحللنا بهم من العقوبة ما يعتريكم، ومَنْ لم يعتبرُ بِمَنْ سَبَقَه اعتبرْ به مَنْ لَحِقه.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
إذا اقترحوا عليك بأَنْ تأتيهَم بما لم نأمركَ به، أو تُرَيهُم ما لم نُظْهِرْ عليك من الآياتِ.. فأَخْبِرْهم أنَّكَ غير مُسْتَقَلٍ بِك، ولا موكولٍ إليكَ؛ فنحن القائمُ عليكَ، المصَّرفُ لكَ، وأنتَ المتَّبعُ لما نُجريه عليك مُبْتَدِعٍ لِما يَحصُل منك.

.تفسير الآية رقم (16):

{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قد عِشْتُ فيكم زماناً، وعرفتم أحوالي فيما تطلبون مني عليه برهاناً، فما ألفيتموني (...) بل وجدتموني في السداد مستقيماً، وللرشاد مستديماً، فلولا أَنَّ الله تعالى أرسلني، ولِمَا حَمَّلني مِنْ تكليفه أَهَّلَني لمَا كنتُ بهذا الشرع آتِياً ولا لهذا الكتاب تالياً.
{اَفَلاَ تَعْقِلُونَ} مالكم تعترضون؟ ولا لأنفسكم تنظرون؟

.تفسير الآية رقم (17):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
الْكَذِبُ في الشرع قبيحٌ، وإذا كان على الله فهو أقبح.
ومِنَ المْفتَرين على الله: الذين يُظْهِرون من الأحوال ما ليسوا فيه صادقين، وجزاؤهُم أَنْ يُحْرَمُوا ذلك أبداً، فلا يَصلِون إلى شيء.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
ذَمَّهُم على عبادة ما ليس منه ضَرٌّ ولا نَفَعٌ.
فدليلُ الخطاب يقتضي أَنْ يكونَ المعبودُ منه الضَّرُ والنفع، ومِنْ فَرْطِ غباوتهم أنهم انتظروا في المآلِ الشفاعةَ ممن لا يوجَدُ منه الضَّرُّ والنَّفْعُ في الحال، ثم أخبر أنهم يخبرون عما ليس على الوجه الذي قالوا معلوماً، ولو كان كما قالوا لَعلِموا أنه سبحانه لا يَعْزُبُ عن علمه معلومُ.
ومعنى قوله: {لاَ يَعْلَمُ}: خلافه. ومَنْ تَعَلَّقَ قلبُه بالمخلوقين في استدفاع المضَارِّ واستجلاب المسَارِّ فكالسالِك سبيلَ مَنْ عَبَدَ الأصنام؛ إذ المنْشِئُ والموجِدُ للشئِ مِنَ العَدم هو الله- سبحانه.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
وذلك مِنْ زمان آدم عليه السلام إلى أن تحاربوا، والحق- سبحانه- سَبَق قضاؤه بتأخير حسابهم إلى الآخرة، ولذلك لا يُجِيبُهم إلى ما يستعجلونه من قيام القيامة.
وإنما اختلفوا لأنَّ الله خَصَّ قوماً بعنايته وقبوله، وآخرين بإهانته وإبعاده، ولولا ذلك لَمَا كانت بينهم هذه المخالفة.